((في ذكرى البيعة لخادم الحرمين الشريفين))
فكر ونهج خادم الحرمين الشريفين
يمكن التعرف على فكر قائد أي أمة وسياسته من خلال متابعة القرارات التي يتخذها في مختلف القضايا وتوقيتها فضلاً عن آلية تنفيذها التي يوجه بها القائد، كما يمكن التعرف على فكره وسياسته عبر متابعة الخطابات التي يلقيها في المناسبات المختلفة وتحليل مضمونها وقراءتها في سياق الأحداث التي قيلت فيها.
وبتحليل مضمون قرارات وخطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه – يمكن الوقوف على الفكر السياسي الذي يتمتع به المليك المفدى والسياسة التي ينتهجها، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، والخروج بتصور أن الملك عبدالله يتمتع بفهم سياسي نابع من الأخلاق الإسلامية والقيم العربية، وخاصة فيما يتعلق بالوسطية والانفتاح والحوار مع الآخر. مما جعله يتمتع باحترام دولي كبير، في وقت تشابكت فيه مصالح الدول وتعمقت فيه الروابط التجارية، وأصبح العالم قرية واحدة بفضل التقنية العالية والمواصلات و الاتصالات أكثر بكثير من السابق.
وتؤكد كلمات خادم الحرمين الشريفين التي يلقيها في المناسبات السياسية المختلفة على مفاهيم في غاية الأهمية، كالوحدة الإسلامية، ونهضة الأمة من كبوتها، واستعادة أمجادها السابقة عبر التسلح بالعلم والمعرفة، انطلاقا مما يحدو الملك عبدالله من أمل كبير في تبوء الأمة العربية والإسلامية لمركز الصدارة في حضارة اليوم.
إن هذه الثوابت والقيم والرؤى الواضحة، وضعت المملكة في المسار السياسي الصحيح، ولاسيما إبان الأزمات، إذ أن المرجعية الإسلامية سمحت للقادة السعوديين بأن يتخذوا القرارات السليمة في الوقت المناسب، الأمر الذي يتسبب في حفظ هذا الكيان العظيم، ويدفعه نحو مزيد من التطور، على خطى واضحة وصحيحة.
وعلى الرغم من أن لكل ملك بصماته التي يتركها، وسياساته التي قد تختلف في بعض جوانبها عن سياسات من سبقه أو من يأتي بعده، بسبب اختلاف الظروف المحلية والإقليمية والدولية المحيطة، واختلاف الأساليب والتكتيكات المتبعة في التعامل معها، فإن هذه السياسة لا تخرج عن إطارها العام الذي تلازم مع تأسيس المملكة، بل ومن قبل تأسيس المملكة، وتحديداً منذ اللحظات الأولى لجهاد الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي يعد استمراراً لجهاد من سبقه من أئمة آل سعود في الدولة السعودية الأولى والثانية. وستظل المملكة بإذن الله عزيزة ما دامت الدولة السعودية متمسكة بشرع الله قولاً وعملاً، ولهذا يلاحظ المتابع لشؤون المملكة ما تتمتع به بفضل الله تعالى من استقرار سياسي كبير.
لقد تشكلت علاقات المملكة الخارجية، وخاصة علاقاتها بالدول العربية والإسلامية، بناء على أسس ثابتة وراسخة في عمق السياسة السعودية، والتي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين في كثير من خطبه. فالملك عبدالله - حفظه الله - حريص كل الحرص على توثيق علاقات الأخوة بالدول العربية والإسلامية، وألا تكون علاقات المملكة الدولية على حساب القضايا الإسلامية العادلة. فالملك عبدالله ذو مشروع نهضوي شامل لا يقتصر على المملكة فقط وإنما يشمل كافة الدول العربية والإسلامية، ولذلك فإنه يرى أن نهضة الأمة لا يمكن أن تتحقق في ظل وجود نزاعات بينية بين الدول الأشقاء، ولقد علمنا التاريخ أن الفترات التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة، وأن فترات الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء. ومن هذا المنطلق فإن كل جهد سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا يقرب بين أبناء الأمة هو جهد مبارك مشكور، وكل جهد يزرع بذور الفتنة والشقاق هو نكسة تعود بنا إلى الوراء، ولذا فإنه - حفظه الله – يؤكد دوماً على أنه ينشد وحدة الأمة، ويرى فيها أملا لنهضتها وعودة أمجادها الماضية والخروج من الأزمة الحضارية الحالية التي تعاني منها، حيث أن هذه النهضة هي السبيل الأمثل لتحقيق التنمية الشاملة، والقضاء على كافة مشاكل العالمين العربي والإسلامي.
إن النجاح وبلوغ الأهداف لا يتحقق بين ليلة وضحاها، وإنما بالعمل المتواصل والإخلاص فيه، والمشاركة في رسم الخطط من أجل مستقبل أفضل. وقد قال خادم الحرمين في إحدى خطبه: (إن منهجية التدرج هي طريق النجاح الذي يبدأ بالتشاور في كل شؤون حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للوصول إلى مرحلة التضامن بإذن الله وصولا إلى الوحدة الحقيقية الفاعلة المتمثلة في مؤسسات تعيد للأمة مكانتها في معادلات القوة، فالتدرج نحو بلوغ الأهداف يجعل الخطوات مرسومة بدقة، ومتوازنة، ولا يكون تحقيق أهداف معينة على حساب أهداف أخرى. فمن المعلوم أن لكل برنامج طموح آثاراً جانبية، وبالتالي يكون من الأهمية بمكان التفكير في هذه الآثار قبل الإقدام على أي خطوة. وهناك من يستعجل النتائج، لكن النتائج السريعة تزول بسرعة.
(الجوانب الإنسانية )
عرف عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأنه ملك الإنسانية لما اشتهر به - حفظه الله- عن حبه وتعاطفه مع الفقراء والمحتاجين وميله الفطري لعمل الخير ومساعدة الناس والعمل على إدخال السرور إلى قلوبهم ، والشواهد على إسهامات خادم الحرمين الشريفين الإنسانية لا تعد ولا تحصى سواءً على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي ولعل مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي شاهداً حياً على مبادرات خادم الحرمين الشريفين الإنسانية .
كما يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رعاه الله على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم.
وقد لقيت قضايا الأمة الإسلامية وتطوراتها النصيب الأكبر من اهتمام خادم الحرمين الشريفين في كل الاتجاهات وكانت دعوته حفظه الله لعقد القمة الاستثنائية الثالثة في مكة المكرمة إيمانا منه بضرورة إيقاظ الأمة الإسلامية وإيجاد نوع من التكامل الإسلامي بين شعوبها ودولها والوصول إلى صيغة عصرية للتعامل فيما بينها أولا ومع الدول الأخرى التي تشاركنا الحياة على هذه الأرض إضافة إلى العمل الجاد على حل مشكلات الدول الفقيرة من خلال صندوق خاص لدعمها وجعلها تقف على قدميها.
وتعتبر المملكة الدولة الوحيدة في العالم التي قدمت خلال العامين الماضيين أكبر المساعدات الاغاثية للدول الأفريقية والآسيوية التي تضررت من كوارث الزلازل والجفاف والفيضانات واستحقت بذلك لقب ''مملكة الإنسانية'' بدون منازع وحازت على إعجاب وإشادة المنظمات الدولية العاملة في المجال ؛ الإغاثي ولهذه الإسهامات الكبيرة فقد منح برنامج الغذاء العالمي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز جائزة ''البطل العالمي لمكافحة الجوع لعام 2008م'' في حفل أقيم في مدينة دافوس السويسرية شارك فيه عديد من ممثلي حكومات الدول والمنظمات الدولية والشركات الكبرى ، وأعربت جوزيت شيران المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي في كلمة لها في ذلك الحفل عن عظيم شكرها وتقديرها لخادم الحرمين الشريفين على دعمه للبرنامج وقالت ''إن هذا العطاء السخي بمثابة منارة للأمل للأشخاص الأشد فقراً واحتياجاً في العالم'' .
كما قالت جوزيت ''إن سخاء خادم الحرمين الشريفين لم يحرك العالم فحسب بل أيضا أنقذ حياة الكثيرين في عامٍ كان مليئاً بالتحديات. ولهذا السبب فهو محط تقدير الجميع وليس محط تقديرنا نحن فقط فهو ملك الإنسانية. ''
كما عبر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في كلمته عن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على دعمه الكبير للبرنامج وتبرعه السخي ، وقال ''إن هذا الدعم ساعد على حماية ملايين الأشخاص في الدول النامية وهذا العمل الإنساني غير غريب على الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أعرف شعوره الإنساني عندما يرى الظلم والجوع''.
إن العمل الإنساني للملك عبد الله بن عبدالعزيز لم يقتصر على أبناء هذا الوطن والمقيمين فيه، بل شمل كل إنسان على وجه هذه البسيطة سواء من أبناء الأمة العربية أو الإسلامية وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، وما تقوم به المملكة بناء على توجيهات ملك الإنسانية من تحمل تكاليف مصاريف فصل التوائم، ومعالجة أصحاب الأمراض المستعصية من كافة دول العالم، إلا دليل على إنسانية خادم الحرمين الشريفين وإيمانه الصادق بأهمية تخفيف الآلام التي تصيبهم وإدخال السعادة والسرور في نفوسهم.
( المصالحة العربية )
وفيما يتعلق بالمصالحة العربية فإن خادم الحرمين الشريفين كان ولا يزال من أشد القادة العرب حرصاً على وحدة العرب والعمل على نبذ الخلافات بينهم ، ومواقفه - حفظه الله - في هذا الشأن معروفة ، ويمكن تلخيصها في كلمات قالها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أحد أحاديثه الصحفية ، حيث يقول - حفظه الله :-
''إن الألم كان يعتصرني كواحد من القيمين على أمر العرب والمسلمين لقد كنت استعرض ما حولنا من أحداث وهموم وقضايا وخشيت أن تذهب ريحنا بفعل شتاتنا إلا ما رحم ربي فرجعت إلى نفسي وكان ذاك الخطاب الذي بدأته بالاقتصاص من ذاتي مع إننا كنا نحن نتلقى الصدمات...'' وتابع ''لقد دعوت إلى مصالحة عربية حقيقية تعرف أطرافها مكامن الداء لتبدأ في تحديد سبل الدواء ولم لا وعالمنا العربي يزخر بخيرات وفيرة والحمد لله ويمتلك أسباب ومعطيات القوة السياسية بيد أن ما كان ينقصه هو تعاضد قادته وربط مصالح أبنائه وإيجاد تعاون جماعي بدلا من ذاك العمل الفردي أو الثنائي أو الثلاثي''.
ولقد كان لمبادرة خادم الحرمين الشريفين في دعوته إلى عملية المصالحة العربية في قمة الكويت الاقتصادية والاجتماعية ، ومواقفه في قمة الدوحة في تعزيز تلك المصالحة الأثر الكبير في تبني القمة لـ''إعلان الدوحة'' الذي يتبنى الرؤية السعودية للمصالحة ومرجعية العمل العربي سعياً إلى لم الشمل العربي وتجاوز الخلافات دون استثناء بين الأشقاء خدمة لمصالح الأمة العربية وتجسيداً لعرى التلاحم الأخوي بين أبنائها.
( حوار الأديان )
وفي مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ونبذ الصدام بينهم وتقريب وجهات النظر دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في أكثر من مناسبة إلى تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة وإلى ضرورة تعميق المعرفة بالأخر وبتاريخه وقيمه وتأسيس علاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري واستثمار المشترك الإنساني لصالح الشعوب.
وتتويجا للجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز التواصل والحوار بين الحضارات والثقافات والتوافق في المفاهيم تم إطلاق جائزة عالمية للترجمة باسم / جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة / إيمانا بأن النهضة العلمية والفكرية والحضارية إنما تقوم على حركة الترجمة المتبادلة بين اللغات كونها ناقلاً أميناً لعلوم وخبرات وتجارب الأمم والشعوب والارتقاء بالوعي الثقافي وترسيخ الروابط العلمية بين المجتمعات الإنسانية .
وللتأصيل الشرعي لمفهوم الحوار الإسلامي مع أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة في العالم رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود حفظه الله في الثلاثين من شهر جمادى الأولى 1429هـ حفل افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بقصر الصفا في مكة المكرمة . وأوصى المشاركون في المؤتمر بإنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للتواصل بين الحضارات بهدف إشاعة ثقافة الحوار وتدريب وتنمية مهاراته وفق أسس علمية دقيقة وإنشاء جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للحوار الحضاري ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه.
كما أن زيارة خادم الحرمين الشريفين للفاتيكان ساهمت في افتتاح الحوار بين أكبر ديانتين في وقتنا الحاضر وهما الإسلام والمسيحية ، وقد كان لجهود خادم الحرمين الشريفين الأثر المباشر في عقد مؤتمر مدريد العالمي للحوار بين أتباع الثقافات والديانات في إسبانيا في شهر (يوليو) من العام الماضي ، وكذلك في عقد مؤتمر الحوار بين الأديان في نيويورك في شهر نوفمبر من العام نفسه.
الحث على العمل ومواكبة التطور.
إن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رؤية واضحة في تيسير أعمال الدولة حيث قال يحفظه الله: (إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير ومن هنا سوف نستمر - بإذن الله - في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين ورفع كفاءة العمل الحكومي والاستعانة بجهود كل المخلصين العاملين من رجال ونساء وهذا كلّه في إطار التدرج المعتدل المتمشي مع رغبات المجتمع المنسجم مع الشريعة الإسلامية). فكل هذه الأهداف الطموحة والمشروعة يمكن بلوغها بالتدرج حفاظاً على نسيج المجتمع من الآثار السلبية لأي تطور سريع. وهنا أيضا يؤكد خادم الحرمين الشريفين على مبدأ التشاور في اتخاذ القرار، وهو مبدأ مهم وأساسي في نجاح أي عمل.
يتمتع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بقدرة فائقة على التعامل مع الآخرين، وفهم الثقافات الأخرى، وبعيداً عن الانغلاق والتحجر، ولذلك كثيرا ما يؤكد الملك عبدالله في خطبه على مفاهيم الوسطية والحوار الثقافي.
وليس هذا غريبا، لأن هذه المفاهيم أصيلة في الفكر الإسلامي النقي البعيد عن الشوائب والأفكار الدخيلة.
نظره إلى التكامل الاقتصادي العالمي يعد الاقتصاد أحد أدوات السياسة الخارجية لأي دولة.
ووفقاً لمتغيرات العصر الراهن، فإنه بقدر قوة الدولة الاقتصادية تكون قوتها السياسية.
والمملكة تتمتع بثقل دولي كبير لدورها في استقرار الاقتصاد العالمي، حيث وهب الله تعالى المملكة قادة على قدر عالٍ من الشعور بالمسؤولية، ويتمتعون بنضج سياسي ورشد وعقلانية في اتخاذ القرارات. ولذلك يشعر العالم ولاسيما مستوردو النفط بالأمان والاطمئنان على استمرار تدفق البترول من المملكة.
وهذه النقطة أكد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في خطبه. فقال أمام أعضاء مجلس الشورى: إننا جزء من الأسرة الدولية نتأثر ونؤثر بما يدور فيها وسوف يبقى موقفنا قائما على الصداقة والتعاون مع الجميع ونشر السلام مدركين أن رخاء العالم وحدة لا تنقسم ومن هذا المنطلق سوف نستمر في سياستنا المعتدلة في إنتاج البترول وتسعيره وحماية الاقتصاد الدولي من الهزات.
وانطلاقاً من هذا المبدأ السياسي السليم تسعى المملكة إلى جعل أسعار النفط معقولة، ومرضية للمصدرين والمستوردين، بالإضافة إلى ضمان تدفق النفط باستمرار وعدم التسبب في تقلص العرض على حساب الطلب. وقد بيّن ذلك خادم الحرمين الشريفين إبان افتتاح مبنى الأمانة العامة لمنتدى الطاقة العالمي في الرياض، إذ قال - حفظه الله -: (إن سياستنا البترولية واضحة المعالم تتميز بالصدق والشفافية وهي مبنية على اعتقادنا الراسخ بأننا جزء من العالم نشاركه الرخاء والشدة وإن مصلحتنا الوطنية لا تتعارض مع مصالح المجتمع الدولي، إن هذه السياسة قائمة على ركنين أساسيين الأول هو تحقيق سعر معقول وعادل للبترول والثاني هو توفير الإمدادات الكافية من البترول لكل المستهلكين).
دعم الاقتصاد المحلي والخليجي وفي ظل حرصه يحفظه الله على دفع مسيرة عمل مجلس التعاون والعمل على إزالة كافة العقبات التي تعترض تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها مجلس التعاون، فقد كانت له إسهامات كثير في هذا الجانب، منها إنه عندما كان وليا للعهد، فقد قدم يحفظه الله وثيقة آراء جرى عرضها على أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة التشاورية (الرابعة) التي عقدت في مدينة جدة بتاريخ 14 ربيع الأول 1423هـ،وقد تضمن هذه الوثيقة رؤياه يحفظه الله فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والعسكري حيث رأى فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي انه من المناسب في تلك المرحلة التركيز على ثلاثة محاور رئيسية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المجلس وترسيخه حيث اقترح يحفظه الله:
- توحيد الاقتصاد الخليجي
- توحيد العملة
- توحيد التعليم
وقد وجه المجلس الأعلى المجلس الوزاري بدراسة الوثيقة ووضع الآليات اللازمة لتنفيذها، وقد ترجمت قرارات المجلس الأعلى وثيقة الآراء إلى برنامج عمل لمسيرة العمل المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي.
واستمراراً لمبادراته لدعم مجلس التعاون، فقد قدم يحفظه الله في الدورة (28) للمجلس الأعلى مقترح لتسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك، وقد قام المجلس الأعلى بإحالة المقترح إلى اللجان الوزارية كل فيما يخصه لدراسة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك وإيجاد الحلول المناسبة والعمل على إزالة الأسباب التي أدت إلى البطء في الأداء، وقد أقر المجلس الأعلى في دورته (29) الحلول المقترحة لتسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك، حيث اعتمد المجلس الأعلى ما يلي:
- اعتماد الحلول المقترحة لتسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك في مجالات الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والتخطيط والتنمية.
- تكثيف العمل للإسراع بإنشاء المجلس النقدي وتمكينه من ممارسة مهامه.
- قيام الدول الأعضاء التي لم تصدر الأدوات التشريعية الوطنية اللازمة لتنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، بإصدارها في موعد أقصاه نهاية شهر سبتمبر 2009م.
- أن تصدر الدول الأعضاء الأدوات التشريعية الوطنية اللازمة لتنفيذ جميع القرارات التي تصدر عن المجلس الأعلى، ابتداء من دورته التاسعة والعشرين في موعد لا يتجاوز سنه من تاريخ إصدارها من المجلس الأعلى.
وفي المقابل يحرص خادم الحرمين الشريفين على ضمان حقوق الأجيال القادمة من السعوديين، وعدم حل مشكلة العرض والطلب في سوق النفط الدولية على حساب الأجيال المقبلة. ولذلك فإن تدفق النفط يتم بحساب موزون. وحول هذه النقطة المهمة يقول الملك عبدالله: (وفي سبيل الوصول إلى هذين الهدفين قمنا بزيادة طاقتنا الإنتاجية على نحو لا يمس حقوق أجيالنا القادمة ولا يضر بالحقول).
وإذا كانت مبادرات الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله- في مجال السياسة كثيرة، وحققت نتائج طيبة... فإن لخادم الحرمين الشريفين- يحفظه الله- مبادراته وجهوده في عالم الاقتصاد ونذكر هنا مبادرته في النقلة من عصر النفط إلى عصر الغاز، وهي مبادرة الغاز السعودي الجسورة والطموحة، التي قدر حجم الاستثمار فيها ب (25) مليار دولار في البداية، وهذه مبادرة ليست مبادرة طاقة فحسب، بل هي مبادرة اقتصادية حقيقية، تستهدف جذب استثمارات أجنبية ضخمة في إطار الانفتاح على الخارج، وفي إطار الإصلاحات الاقتصادية التي تستهدف إيجاد فرص عمل جديدة للشباب السعودي.
أما المبادرة الاقتصادية الأخرى التي جاءت على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- فهي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حتى أصبحت المملكة عضواً فاعلاً في هذه المنظمة.
وإذا نظرنا إلى الصعيد المحلي نجد أن الفترة القصيرة منذ توليه الحكم بداية عام 2006م، حفلت بالعديد من القرارات الريادية التي كان هدفها خدمة المواطن وتسيير أموره، ويأتي في مقدمتها توسيع السوق الاقتصادية مما جعل الاقتصاد السعودي محل استقطاب دول العالم الكبرى، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال زياراته يحفظه الله إلى الصين والهند وماليزيا وباكستان، والاستقبال الرسمي والشعبي الحافل الذي تلقاه خادم الحرمين الشريفين وما أعقبه من توقيع اتفاقيات شراكة إستراتيجية هدفها خدمة الاقتصاد السعودي، فأصبحت الرياض العاصمة ما إن تودع زعيماً إلا وتستقبل آخر وينتج عنها قرارات فاعلة لخدمة الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة عالمياً.
وشهدت المملكة منذ مبايعة الملك عبد الله بن عبدالعزيز في 26-6-1426هـ المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد مساحاتها الشاسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة تشكل في مجملها إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما يضعها في رقم جديد بين دول العالم المتقدمة.
وتعد مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في محافظة رابغ من أبرز المنجزات الاقتصادية الحضارية التي تقف شاهدا على ضخامة الاستثمارات التي تستقطبها المملكة وتسهم في توطين الوظائف.
كما أن مركز الملك عبد الله المالي بمدينة الرياض سيكون بمشيئة الله، الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم والتنظيم والمواصفات التقنية، بتكلفة تبلغ ٢٨ مليار ريال حيث يسهم في دعم الجهود الرامية إلى تنويع اقتصاد البلاد من خلال زيادة مساهمة القطاعات الاقتصادية المختلفة، في الناتج الوطني الإجمالي، واستقطاب الاستثمارات المختلفة، وتوفير الفرص الوظيفية للقوى العاملة السعودية .
كذلك فإن مدينة تقنية المعلومات والاتصالات سوف تجعل مدينة الرياض موطناً للصناعات المعرفية المتقدمة والاتصالات في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك باستثمارات تبلغ قيمتها (6,2) مليار ريال ليتمكن المشروع بعد إنشائه من تفعيل سبل التعاون والتكامل بين مؤسسات تقنية المعلومات والاتصالات وتهيئة الفرص الاستثمارية في هذا المجال ودعم نقل التقنية إلى المملكة، وتشجيع البحث العلمي.
و تعد جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي ستقام في مركز (ثول) على ضفاف البحر الأحمر بالقرب من محافظة جدة بتكلفة تبلغ عشرة مليارات ريال جامعة عالمية رائدة متميزة تختص بالبحث العلمي والتطوير التقني والابتكار والإبداع وتستقطب نخبة من العلماء والباحثين المتميزين والطلبة الموهوبين والمبدعين بهدف دعم التنمية والاقتصاد الوطني ولتوجه الاقتصاد نحو الصناعات القائمة على المعرفة.
كما شهدت مدينة الجبيل الصناعية وضع حجر الأساس وتدشين تسعة وعشرين مشروعا تنمويا وصناعيا باستثمار يربو على ثمانية وستين مليار ريال وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
لقد حقق القطاع الصناعي بفضل الاهتمام والرعاية تطورات كبيرة خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز انعكست في الدور المتميز للصناعة السعودية التي أمكن لكثير من منتجاتها منافسة المنتجات المماثلة في الأسواق المحلية والإقليمية، والنفاذ إلى الأسواق العالمية. ومن وسائل الرعاية لهذا القطاع تقديم القروض الصناعية للمستثمرين من خلال صندوق التنمية الصناعية السعودية، والتي بلغت حتى نهاية عام 1429هـ (3020) قرضا صناعيا، كما تقدم الدولة الكثير من الامتيازات والتسهيلات الأخرى مثل الإعفاءات الجمركية وخدمات الكهرباء والماء وغيرها مما انعكس ايجابا على القطاع الصناعي بمختلف الأنشطة، حيث قفز عدد المصانع المنتجة ليصل بنهاية الربع الأول لعام 1430هـ (4188) مصنعاً .
وفيما يتعلق بمؤشرات أداء القطاع الصناعي فقد شهد قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية نمواً جيداً خلال عام 2008م بلغ معدله الحقيقي (5,4%) كما زادت مساهمة القطاع الصناعي بشكل كبير في صادرات المملكة من السلع غير البترولية بقيمة قدرها (115) بليون ريال خلال العام 2008م بزيادة قدرها (10%) عن العام 2007م ، كما يتم دعم وتشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة في القطاع الصناعي وفتح المجال للشركات العالمية للاستثمار بالمملكة وجلب الخبرات والتقنيات الحديثة في الصناعات التي تحتاجها المملكة وتخدم الاقتصاد الوطني ، وتقديم قروض صناعية لا يشترط فيها وجود شركاء سعوديين في تلك المشاريع ، وقد بلغ عدد المشاريع المختلطة التي تم تمويلها حتى العام المالي 1428/1429هـ (588) مشروعاً بقيمة (28,517) مليون ريال ، وتجدر الإشارة إلى أن (105) مشروعاً من هذه المشاريع تبلغ قيمة القروض المعتمدة لها (8,091) مليون ريال قد أصبحت حالياً مملوكة بالكامل لمستثمرين سعوديين.
ويتم العمل حالياً على تبني إستراتيجية وطنية للصناعة تهدف إلى تعزيز القدرات التنافسية للصناعة السعودية ، وزيادة ارتباطاتها التكاملية محلياً وإقليمياً وعالمياً ، وتحفيز الصناعات المتقدمة ذات القيمة المضافة العالية ، والتوسع في توفير التجهيزات والخدمات اللازمة لتحقيق التنمية الصناعية في جميع مناطق المملكة.
وتتبنى الإستراتيجية الوطنية للصناعة رؤية وطنية للدور المحوري لقطاع الصناعة في النمو وفي التنمية وفي ترسيخ واستدامة الثروة في المملكة عن طريق تعظيم عائدات ثرواتها الطبيعية واستثمارها لتوطين الخبرات البشرية المنتجة ولتنويع الاقتصاد نحو صناعة منافسة واقتصاد قائم على المعرفة.
حيث تتركز الأهداف الرئيسية لتنمية القطاع الصناعي على نواحي متعددة أهمها :
- تعزيز القاعدة الصناعية
- تعزيز الكفاءات التقنية والإنتاجية والقدرات التنافسية
- تطوير البنية الأساسية وتوفير الخدمات المساندة للصناعة
- توسعة مشاركة القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
- دعم الصادرات الصناعية وتشجيعها
- تطوير مهارات العمالة الوطنية في الصناعة
ومما سبق، يتضح أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله يسعى بجهود حثيثة للرفع من شأن المملكة في مختلف المجالات، وعلى مختلف الأصعدة لتتبوأ المكانة العالية المرموقة.
مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج
إن تفاعل خادم الحرمين الشريفين مع الأحداث والظروف العالمية تأتي سريعة، ومواكبة لنوع الحدث.
فعند ظهور بوادر أزمة غذائية في العالم، وتبين أن أكبر المتضررين منها هم الفقراء، في أنحاء العالم، فقد بادر يحفظه الله بإطلاق مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج واضعاً في مقدمات أهدافها الأمن المائي للمملكة العربية السعودية بالإضافة إلى أنها تهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم ذات مقومات وإمكانات زراعية عالية لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية هذا بالإضافة الى جانب الإستفادة من خبرات القطاع الخاص الزراعي السعودية في الخارج وذلك في عدد من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة إضافة إلى ضمان استدامتها.
إن مسيرة خادم الحرمين الشريفين في الجوانب الإنسانية والاقتصادية والسياسية متعددة ولا يمكن حصرها، وتحتاج إلى كتب، وخبراء متخصصين حتى يمكن تغطية كل جانب من جوانبها، وما تمت الإشارة إليه عن هذه الجوانب هو غيظ من فيض، وهي تعبر فقط عن خلجات أردت التعبير عنها بمناسبة بيعته يحفظه الله.